وكالة أنباء الحوزة _ ثمة سؤال يطرح: ما مدى صحة حادثة شق الصدر التي روي أنها حصلت للنبي (ص)؟ وقد جاء الرد على هذا السؤال في الموقع الالكتروني لمركز الابحاث العقائدية الذي يشرف عليه مكتب المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني.
السؤال: هناك رواية عن الرسول الاكرم (ص) بانه كان في ايام طفولته تعرض لحادثة شق الصدر من قبل الملائكة .
فما مدى صحة هذه الرواية عند الشيعة ؟
الجواب: قال السيد جعفر مرتضى في كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) ج 2 - ص 83 – 90):
حديث شق الصدر : وما دمنا في الحديث عن رضاعه صلى الله عليه وآله وسلم في بني سعد ، فإننا لا نرى مناصا من إعطاء رأينا في رواية وردت في هذه المناسبة ، وهي التالية : أخرج مسلم بن الحجاج : ( عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه جبرئيل ، وهو يلعب مع الغلمان ، فاخذه وصرعه ، فشق عن قلبه ، فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم . غسله في طست من ذهب ، بماء زمزم ، ثم لامه ، ثم أعاده في مكانه . وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا : إن محمدا قد قتل . فاستقبلوه ، وهو منتقع اللون . قال أنس : ( وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره ) . وكان ذلك هو سبب إرجاعه صلى الله عليه وآله إلى أمه. وكتب الحديث والسيرة عند غير الامامية لا تخلو عن هذه الرواية غالبا . بل قد ذكروا أنه قد شق صدره صلى الله عليه وآله خمس مرات ، أربع منها ثابتة : مرة في الثالثة من عمره ، وأخرى في العاشرة ، وثالثة عند مبعثه ، ورابعة عند الاسراء ، والخامسة فيها خلاف . توجيه غير وجيه : ويقولون : إن تكرار شق صدره صلى الله عليه وآله إنما هو زيادة في تشريفه عليه الصلاة والسلام . وقد نظم بعضهم ذلك شعرا فقال :
أيا طالبا نظم الفرائد في عقد مواطن فيها شق صدر لذي رشد
لقد شق صدر للنبي محمد مرارا لتشريف ، وذا غاية المجد
فأولى له التشريف فيها مؤثل لتطهيره من مضغة في بني سعد
وثانية كانت له وهو يافع وثالثة للمبعث الطب الند
ورابعة عند العروج لربه وذا باتفاق فاستمع يا أخا الرشد
وخامسة فيها خلاف تركتها لفقدان تصحيح لها عند ذي النقد .
كما أننا في نفس الوقت الذي نرى فيه البعض يعتبر هذه الرواية من إرهاصات النبوة كما صرح به ناظم الأبيات السابقة وغيره ، ومثار إعجاب وتقدير . فإننا نرى : أنها عند غير المسلمين ، إما مبعث تهكم وسخرية ، وإما دليل لاثبات بعض عقائدهم الباطلة ، والطعن في بعض عقائد المسلمين . ونرى فريقا ثالثا يعتبر الرواية موضوعة ، من قبل من أراد أن يضع التفسير الحرفي لقوله تعالى : (( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ *وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ)) (الشرح:1-2). واعتبرها صاحب مجمع البيان أيضا ( مما لا يصح ظاهره ، ولا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد ، لأنه كان طاهرا مطهرا من كل سوء وعيب ، وكيف يطهر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء ؟ ). ونجد آخر يحاول أن يناقش في سند الرواية . ونظره فقط إلى رواية ابن هشام ، عن بعض أهل العلم ، ولكنه لم يعلم أنها واردة في صحيح مسلم بأربعة طرق . ولو أنه اطلع على ذلك لرأينا له موقفا متحمسا آخر ؟ لأنها تكون حينئذ كالوحي المنزل ، على النبي المرسل . ولعل خير من ناقش هذه الرواية نقاشا موضوعيا سليما هو العلامة الشيخ محمود أبو رية في كتابه القيم : ( أضواء على السنة المحمدية ) ، فليراجعه من أراد . . رأينا في الرواية : ونحن هنا نشير إلى ما يلي :
1 - إن ابن هشام وغيره يذكرون : أن سبب إرجاع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أمه ، هو أن نفرا من الحبشة نصارى ، رأوه مع مرضعته ، فسألوا عنه ، وقلبوه ، وقالوا لها : لنأخذن هذا الغلام ، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا الخ . وبذلك تصير الرواية المتقدمة التي تذكر أن سبب إرجاعه إلى أمه هو قضية شق الصدر محل شك وشبهة .
2 - كيف يكون شق صدره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو سبب إرجاعه إلى أمه ، مع أنهم يذكرون : أن هذه الحادثة قد وقعت له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعمره ثلاث سنين ، أو سنتان وأشهر . مع أنه إنما أعيد إلى أمه بعد أن أتم الخمس سنين .
3 - هل صحيح أن مصدر الشر هو غدة ، أو علقة في القلب ، يحتاج التخلص منها إلى عملية جراحية ؟ ! . وهل يعني ذلك أن باستطاعة كل أحد - فيما لو أجريت له عملية جراحية لاستئصال تلك الغدة - أن يصبح تقيا ورعا ، خيرا ؟ ! .
أم أن هذه الغدة أو العلقة قد اختص الله بها الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وابتلاه بها دون غيره من بني الانسان ؟ ! . ولماذا دون غيره ؟ ! .
4 - لماذا تكررت هذه العملية أربع ، أو خمس مرات ، في أوقات متباعدة ؟ حتى بعد بعثته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعدة سنين ، وحين الاسراء والمعراج بالذات ؟ ! فهل كانت تلك العلقة السوداء ، وحظ الشيطان تستأصل ، ثم تعود إلى النمو من جديد ؟ ! وهل هي من نوع مرض السرطان الذي لا تنفع معه العمليات الجراحية ، والذي لا يلبث أن يختفي حتى يعود إلى الظهور بقوة أشد ، وأثر أبعد ؟ ! . ولماذا لم تعد هذه العلقة إلى الظهور بعد العملية الرابعة أو الخامسة ، بحيث يحتاج إلى السادسة ، فالتي بعدها ؟ ! .
ولماذا يعذب الله نبيه هذا العذاب ، ويتعرض لهذه الآلام بلا ذنب جناه ؟ ! ألم يكن بالامكان أن يخلقه بدونها من أول الأمر ؟ ! .
5 - وهل إذا كان الله يريد أن لا يكون عبده شريرا يحتاج لأعمال قدرته إلى عمليات جراحية كهذه ، على مرأى من الناس ومسمع ؟ ! . وتعجبني هذه البراعة النادرة لجبرئيل في إجراء العمليات الجراحية لخصوص نبينا الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وألا تعني هذه الرواية : أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان مجبرا على عمل الخير ، وليس لإرادته فيه أي أثر أو فعالية ، أو دور ؟ : ! ، لان حظ الشيطان قد أبعد عنه بشكل قطعي وقهري ، وبعملية جراحية ، كان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره الشريف ! ! .
6 - لماذا اختص نبينا بعملية كهذه ولم تحصل لأي من الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام ؟ أم يعقل أن محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أفضل الأنبياء وأكملهم ، كان فقط بحاجة إلى هذه العملية ؟ ! الجراحية ؟ ! وإذن ، فكيف يكون أفضل وأكمل منهم ؟ أم أنه قد كان فيهم أيضا للشيطان حظ ونصيب لم يخرج منهم بعملية جراحية ؟ لان الملائكة لم يكونوا قد تعلموا الجراحة بعد ؟ ! .
7 - وأخيرا ، أفلا ينافي ذلك ما ورد في الآيات القرآنية ، مما يدل على أن الشيطان لا سبيل له على عباد الله المخلصين : ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ))(الحجر:39-40) . وقال تعالى : ((إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)) (الحجر:42)، وقال : ((إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) (النحل:99). ومن الواضح : أن الأنبياء هم خير عباد الله المخلصين ، والمؤمنين ، والمتوكلين . فكيف استمر سلطان الشيطان على الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى حين الاسراء والمعراج ؟ ! . هذا كله ، عدا عن تناقض الروايات الشديد . وقد أشار إليه الحسني باختصار . فراجع ، وقارن . المسيحيون وحديث شق الصدر : وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : ( ما من أحد من الناس إلا وقد أخطأ ، أو هم بخطيئة ، ليس يحيى بن زكريا ). ويذكر أبو رية : أن حديث شق الصدر يأتي مؤيدا للحديث الاخر ، الذي ورد في البخاري ، ومسلم وفتح الباري وغيرها ، وهو - والنص للبخاري - : ( كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ، ذهب يطعن ، فطعن في الحجاب) : وفي رواية : ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها. .
ولهذا الحديث ألفاظ أخرى لا مجال لذكرها . وقد استدل المسيحيون بهذا الحديث على أن البشر كلهم ، حتى النبي مجردون عن العصمة ، معرضون للخطايا إلا عيسى بن مريم ، فإنه مصون عن مس الشيطان ، مما يؤيد ارتفاع المسيح عن طبقة البشر ، وبالتالي يؤكد لاهوته الممجد. وأضاف أبو رية إلى ذلك قوله : ( ولئن قال المسلمون لاخوانهم المسيحيين ، ولم لا يغفر الله لادم خطيئته بغير هذه الوسيلة القاسية ، التي أزهقت فيها روح طاهرة بريئة ، هي روح عيسى ( عليه السلام ) بغير ذنب ؟ ! .
قيل لهم : ولم لم يخلق الله قلب رسوله الذي اصطفاه ، كما خلق قلوب إخوانه من الأنبياء والمرسلين - والله أعلم حيث يجعل رسالته - نقيا من العلقة السوداء وحظ الشيطان ، بغير هذه العملية الجراحية ، التي تمزق فيها قلبه وصدره مرارا عديدة . . . ! ) .
أصل الرواية جاهلي : والحقيقة هي أن هذه الرواية مأخوذة عن أهل الجاهلية ، فقد جاء في الأغاني أسطورة مفادها : أن أمية بن أبي الصلت كان نائما ؟ فجاء طائران فوقع أحدهما على باب البيت ، ودخل الاخر فشق عن قلب أمية ثم رده الطائر ، فقال له الطائر الاخر : أوعى ؟ ؟
قال : نعم . قال : زكا ؟ قال : أبى .
وعلى حسب رواية أخرى : أنه دخل على أخته ، فنام على سرير في ناحية البيت ، قال : فانشق جانب من السقف في البيت ، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره ، ووقف الاخر مكانه ، فشق الواقع على صدره ، فأخرج قلبه ، فقال الطائر الواقف للطائر الذي على صدره : أوعى ؟ قال : وعى . قال : أقبل ؟ قال : أبى . قال : فرد قلبه في موضعه الخ . .
ثم تذكر الرواية تكرر الشق له أربع مرات.
وهكذا يتضح أن هذه الرواية مفتعلة ومختلقة ، وأن سر اختلاقها ليس إلا تأييد بعض العقائد الفاسدة ، والطعن بصدق القرآن ، وعصمة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله) .